فصل: قال ابن عادل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

وقرائن الآية تقتضي أن هذه اللعنة مخلدة لهم في جهنم: فالضمير عائد على النار، وإن كان لم يجر لها ذكر، لأن المعنى يفهمها في هذا الموضع كما يفهم قوله تعالى: {كل من عليها فان} [الرحمن: 26] أنها الأرض، وقد قال بعض الخراسانيين في قوله تعالى: {إنما أنت منذر من يخشاها} [النازعات: 45] إن الضمير عائد على النار و{ينظرون} في هذه الآية، بمعنى يؤخرون، ولا راحة إلا في التخفيف أو التأخير فهما مرتفعان عنهم، ولا يجوز أن يكون {ينظرون} هنا من نظر العين إلا على توجيه غير فصيح لا يليق بكتاب الله تعالى. اهـ.

.قال ابن عادل:

وفي قوله: {جَزَاؤُهُمْ} وجهان:
أحدهما: أن يكون مبتدأ ثانيًا، و{أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله} في محل رفع؛ خبرًا لـ {جَزَاؤُهُمْ} والجملة خبر لـ {أولئك}.
والثاني: أن يكون {جَزَاؤُهُمْ} بدلًا من {أولَئِكَ} بدل اشتمال، و{أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله} خبر {أولئك}.
وقال هنا: {جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله} وقال- هناك-: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله} [البقرة: 161] دون {جزاؤهم} قيل: لأن هناك وقع الأخبار عمن توفِّيَ على الكُفْر، فمن ثَمَّ حتم الله عليه اللعنة، بخلافه هنا، فإن سبب النزول في قوم ارتدوا ثم رجعوا للإسلام، ومعنى: {جَزَاؤُهُمْ} أي: جزاء كفرهم وارتدادهم، وتقدم القول في قراءة الحسن {النَّاس أجمعون} وتخريجها.
قوله: {خالدين} حال من المضير في {عَلَيْهِمْ} والعامل فيها الاستقرار؛ أو الجارّ؛ لقيامه مقام الفعلِ، والضمير في {فِيهَا} للَّعنة. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ}:

قال الفخر:
معنى الإنظار التأخير قال تعالى: {فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] فالمعنى أنه لا يجعل عذابهم أخف ولا يؤخر العقاب من وقت إلى وقت وهذا تحقيق قول المتكلمين: إن العذاب الملحق بالكافر مضرة خالصة عن شوائب المنافع دائمة غير منقطعة، نعوذ منه بالله. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك}:

.قال الفخر:

والمعنى إلا الذين تابوا منه، ثم بيّن أن التوبة وحدها لا تكفي حتى ينضاف إليها العمل الصالح فقال: {وَأَصْلَحُواْ} أي أصلحوا باطنهم مع الحق بالمراقبات وظاهرهم مع الخلق بالعبادات، وذلك بأن يلعنوا بأنا كنا على الباطل حتى أنه لو اغتر بطريقتهم الفاسدة مغتر رجع عنها. اهـ.

.قال ابن عطية:

والإصلاح عام في القول والعمل. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}:

.قال الفخر:

فيه وجهان:
الأول: غفور لقبائحهم في الدنيا بالستر، رحيم في الآخرة بالعفو.
الثاني: غفور بإزالة العقاب، رحيم بإعطاء الثواب، ونظيره قوله تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] ودخلت الفاء في قوله: {فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} لأنه الجزاء، وتقدير الكلام: إن تابوا فإن الله يغفر لهم. اهـ.

.قال ابن كثير:

{إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ} وهذا من لطفه وبره ورأفته ورحمته وعائدته على خلقه: أنه من تاب إليه تاب عليه. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك} أي الكفر الذي ارتكبوه بعد الإيمان {وَأَصْلَحُواْ} أي دخلوا في الصلاح بناءًا على أن الفعل لازم من قبيل أصبحوا أي دخلوا في الصباح، ويجوز أن يكون متعديًا والمفعول محذوف أي أصلحوا ما أفسدوا ففيه إشارة كما قيل إلى أن مجرد الندم على ما مضى من الارتداد، والعزم على تركه في الاستقبال غير كاف لما أخلوا به من الحقوق، واعترض بأن مجرد التوبة يوجب تخفيف العذاب ونظر الحق إليهم، فالظاهر أنه ليس تقييدًا بل بيأن لان يصلح ما فسد. وأجيب بأنه ليس بوارد لأن مجرد الندم والعزم على ترك الكفر في المستقبل لا يخرجه منه فهو بيان للتوبة المعتد بها، فالمآل واحد عند التحقيق.
{فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي فيغفر كفرهم ويثيبهم، وقيل: {غَفُورٌ} لهم في الدنيا بالستر على قبائحهم {رَّحِيمٌ} بهم في الآخرة بالعفو عنهم ولا يخفى بعده والجملة تعليل لما دل عليه الاستثناء. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآيات الكريمة:

قوله جلّ ذكره: {كَيْفَ يَهْدِى اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ} الآية.
مَنْ أبعده عن استحقاق الوصلة في سابق حكمه فمتى يقربه من بساط الخدمة بفعله في وقته؟
ويقال: الذي أقصاه حكم (الأول) متى أدناه صدق العمل؟ والله غالبٌ على أمره.
أولئك قصارى حالهم ما سبق لهم من حكمه في ابتداء أمرهم، ابتداؤهم ردُّ القسمة، ووسائطهم الصدُّ عن الخدمة، ونهايتهم المصير إلى الطرد والمذلة.
خالدين في تلك المذلة لا يفتر عنهم العذاب لحظة، ولا يخفف دونهم الفراق ساعة.
أولئك هم الذين تداركتهم الرحمة، ولم يكونوا في شق السبق من تلك الجملة، وإن كانوا في توهم الخلق من تلك الزمرة. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
{كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
إننا نرى هنا الأسلوب البديع؛ إن الحق سبحانه يدعونا أن نتعجب من قوم كفروا بعد الإيمان، إنهم لو لم يعلنوا الإيمان من قبل لقلنا: إنهم لم يذوقوا حلاوة الإيمان، لكن الذي آمن وذاق حلاوة الإيمان كيف يقبل على نفسه أن يذهب إلى الكفر؟ أنه التمرد المركب.
وقد يتساءل إنسان قائلا: مادام الله لم يهدهم، فما ذنبهم؟ نقول له: يجب أن تتذكر ما نكرره دائما، لتتضح القضية في الذهن لأنها قضية شائعة وخاصة عند غير الملتزمين، الذين يقول الواحد منهم: إن الله لم يرد هدايتي، فماذا أفعل أنا؟ إن ذلك استدلال لتبرير الانحراف ومثل هذا القول لا يصدر إلا من المسرف على نفسه، ولا يأتي هذا القول أبدا من طائع لله، إن الذي يقول: إن المعصية إنما أرادها الله مني، فما ذنبي؟ يجب أن يعرف أن الطاعة من الله، فلماذا لم يقل: إن الطاعة من الله فلماذا يثيبنا عليها؟ لماذا تغفل أيها العاصي عن ذكر ثواب الطاعة، وتقف عند المعصية وتقول: إن الله قد كتب على المعصية فلماذا يعذبني؟ كان يجب أن نقول أيضا: ما دام قد كتب علي الطاعة فلماذا يعطيني عليها ثوابا؟.
إننا نقول لمن يبرر لنفسه الانحراف: أنك تريد أن تأخذ من الطاعة ثوابها، وتريد أن تهرب من عقاب المعصية. وأنت تحتاج إلى أن تفهم الأمر على حقيقته، لقد قلت من قبل: إن الهداية تأتي بمعنيين هَدَى أي دل على الطريق الموصلة للغاية المرجوة ولم يصنع شيئا أكثر من ذلك والمثال هو إشارات المرور الصماء؛ إن كل إشارة توضح طريقا معينا وتهدي إليه، وإشارة أخرى توضح طريقا آخر وتهدي إليه. ولا يوجد أحد عند هذه الإشارة يأخذ بيد إنسان ويقول له: أنا سآخذ بيدك وأصلح العربة عندما تقف منك، أو أركب معك لأوصلك إلى غايتك.
إن هذه الإشارة هي هداية فقط، إي أنها دلالة على الطريق الموصلة إلى الغاية المرجوة والله سبحانه وتعالى قد هدى الناس جميعا المؤمن منهم والكافر أيضا، أي دلّهم سبحانه على الطريق الموصل للغاية. وانقسم الناس بعد ذلك إلى قسمين: قسم قبِل هذا المنهج وارتضاه وسار كما يريد الله، وساعة أن راح هذا المؤمن إلى جناب الله وآمن به، فكأن الحق يقول له: أنك آمنت بي وبمنهجي، لذلك ستكون لك جائزة أخرى، وهي أن أعينك وأخفف عليك الأمور، وهذه هي الهداية الثانية التي يعطيها الله جائزة لمن آمن به وارتضى منهجه وتعني المعونة، إن الله يعطي عبده المؤمن حلاوة الطاعة، ويجعله مقبلا عليها بنشاط.
إذن فالهداية تكون مرة دلالة وتكون مرة ثانية معونة إنني أكرر هذا القول حتى يتضح الأمر في أذهاننا جميعا، ولنذكره دائما، ونقول: مَن يعين الإنسان؟ إن الذي يعينه هو من آمن به، أما من كفر بالله، فلا يعينه الله.
وسبق أن قلت مثلا- وما زلت أضربه-: إن إنسانا ما يسير في طريق ثم التبس عليه الطريق الموصل للغاية كالمسافر إلى الإسكندرية مثلا، وبعد ذلك وجد شرطيا واقفا فسأله: أين الطريق إلى الإسكندرية؟
فيشير الشرطي إلى الطريق الموصل إلى الإسكندرية قائلا للسائل: هذا هو الطريق الصحيح إلى الإسكندرية.
إن الشرطي هنا قد دل هذا الإنسان، لكن عندما يقول السائل للشرطي: الحمد لله أنني وجدتك هنا لأنك يسرت لي السبيل فهذا القول يأسر قلب الشرطي، فيزيد من إرشاداته للسائل ويوضح له بالتفصيل الدقيق كيف يصل إلى الطريق، وينبهه إلى أي عقبة قد تعترضه، وإن زاد السائل في شكره للشرطي، فإن ذلك يأسر وجدان الشرطي أكثر، ويتطوع ليركب مع السائل ليوصله إلى الطريق، شارحا له ما يجب أن يتجنبه من عقبات، وبذلك يكون الشرطي قد قدم كل المعونة لمن شكره.
لكن لنفترض أن رجلا آخر سأل الشرطي عن الطريق، فكذب الرجل الشرطي، وفي مثل هذا الموقف يتجاهل الشرطي مثل هذا الرجل، وقد ضربت هذا المثل للتقريب لا للتشبيه. إن الحق يدل أولا بهداية الدلالة، وقد هدى الله الناس جميعا، أي دلهم على المنهج، فمن ذهب إلى رحابه وآمن به، أعطاه الله هداية ثانية، وهي هداية المعونة والتيسير.
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} [محمد: 17].
إن الحق يعطيهم حلاوة الهداية وهي التقوى، كأن الحق يقول للعبد المؤمن: ما دمت قد أقبلت عليَّ بالإيمان فلك حلاوة الإيمان، أما الذي يكفر، والذي يظلم نفسه بالشرك، فالحق يمنع عنه هداية المعونة؛ لأنه قد رأى هداية الدلالة ولم يؤمن بها. إذن فالاستفهام في قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} هو تساؤل يراد به الإنكار والاستبعاد لا عن الهداية الأولى وهي هداية الدلالة، ولكنه عن هداية المعونة، أي: كيف أعين من كفر بي؟
والمقصود بهذا القول هو بعض من أهل الكتاب الذي جاءهم نعت الرسول صلى الله عليه وسلم في كتبهم حتى إن عبد الله بن سلام وهو منهم، يقول: لقد عرفت محمدًا حين رأيته كمعرفتي لابني، ومعرفتي لمحمد أشد، ومصداق ذلك ما يقوله الحق سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157].
والتعبير القرآني الدقيق لم يقل: يجدون وصفة مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل إنما يقول الحق: {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157].
كأن الذي يقرأ التوراة والإنجيل يمكنه أن يرى صورة النبي عليه الصلاة والسلام من دقة الوصف، لقد عرفته التوراة وعرفه الإنجيل معرفة مفصلة وشاملة، مع نطق وقول يؤكد ذلك وهناك فرق بين أن تعرف وبين أن تقول؛ فقد يعرف الإنسان ويكتم ما عرف، ولكنهم عرفوا الرسول صلى الله عليه وسلم واعترفوا بذلك، فقد كانوا من قبل يستفتحون به على الذين كفروا، قال الحق سبحانه: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].
لقد أخذوا الرسول صلى الله عليه وسلم قبل مجيئه نصرة على الكافرين، فقالوا: سيأتي نبي ونتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم. فماذا فعلوا؟ إن الحق يجيب: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].
إذن هم آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم من قبل مجيئه، فلما جاء كفروا به. انظر إلى العدالة من الحق سبحانه وتعالى، حين يريد أن يدلهم على موقف الصدق والحق والكرامة الإيمانية.
{قُلْ كَفَى بِالله شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43].
إن الذين عندهم علم الكتاب هم اليهود والنصارى، هؤلاء يشهدون أن محمدا رسول الله، وإن القرآن بعدالته ينصف التوراة والإنجيل وهي الكتب التي بين أيديهم، {كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ} لقد آمنوا به رسولا من منطوق كتبهم، ثم أعلنوها حينما قالوا: يأتي نبي نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم.
فإذا كانوا قد صنعوا ذلك، فكيف يهديهم الله؟ إنهم ليس لديهم الاستعداد للهداية، ولم يقبلوا على الله بشيء من الحب، لذلك فهو سبحانه لا يعينهم على الهداية ولو أقبلوا على الله لأعانهم قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} [محمد: 17].
وهؤلاء لم يهتدوا، فلذلك تركهم الله بدون هداية المعونة، وهذا يوضح لنا معنى القول الحق: {وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: 88].
إن الذين لم يهتدوا بهداية الدلالة فلم يؤمنوا يضلهم الله أي يتركهم في غيهم وكفرهم، أي أنه ما دام هناك من لم يؤمن بالله فهل يمسك الله بيده ليهديه هداية المعونة؟ لا؛ لأنه إذا لم يؤمن بالأصل وهو هداية الدلالة، فكيف يمنحه الله هداية المعونة؟ وما دام لم يؤمن بالله أكان يصدق التيسيرات التي يمنحها الله له؟ لا. أنه لا يصدقها، ويجب أن تعلم أن هداية الدلالة هداية عامة لكل مخاطب خطابا تكليفيا، وهو الإنسان على إطلاقه، أما هداية المعونة فهي لمن أقبل مؤمنا بالله وكأن الحق يقول له: أنت آمنت بدلالتي فخذ معونتي أو أنت أهل لمعونتي أو ستجد التيسير في كل الأمور، أما الذي كفر فلا يهديه الله.
إن الحق سبحانه لا يعين الكافر؛ لأن المعونة تقتضي ابتداء فعلًا من المُعان، والكافر لم يفعل ما يمكن أن ينال به هذه المعونة، فهو لم يؤمن، لذلك يكون القول الفصل: {وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} ويكون القول الحق {وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} ويكون القول الحق {وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. إن هؤلاء هم الظالمون الذين ارتكبوا الظلم الأصيل وهو الشرك بالله كما قال الحق: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَأن لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِالله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].